عصابة أبو شباب في غزة- مخطط إسرائيلي خبيث لليوم التالي؟

المؤلف: عريب الرنتاوي08.29.2025
عصابة أبو شباب في غزة- مخطط إسرائيلي خبيث لليوم التالي؟

هيمنت أنباء "عصابة أبو شباب" على الساحة السياسية في غزة على مدار الأسبوعين الماضيين، وامتد الاهتمام بهذه القضية إلى الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، خاصة بعد الكشف الرسمي عن تفاصيل العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية ومنظومتها الأمنية من جانب، وهذه "العصابة الإجرامية" من جانب آخر. ثم انكشفت بعض الروابط التي تجمعها برام الله، ومقربين من الرئاسة الفلسطينية، وصولًا إلى "دولة إقليمية" يُزعم أنها تتولى بعض مهام الرعاية من تدريب وتمويل.

وكأن الستار قد أزيح عن رؤية إسرائيلية، كانت مبهمة، بشأن ما يسمى بـ"اليوم التالي". إذ يظهر من منظور حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة - التي عرقلت أي حلول أو مبادرات سياسية لإنهاء هذه الحرب - أنها تسعى إلى إدارة قطاع غزة عن طريق عصابات مافيوية وإجرامية، معتمدة على "دعمها" عشائريًا من جهة، و"ترسيخها" بالاستثمار في "المعاناة الشديدة" لسكان القطاع من جهة أخرى. ويأتي ذلك بعد فشل محاولات سابقة من قبل حكومة نتنياهو لخلق قيادة محلية بديلة، من رموز عشائرية ورجال أعمال، وبقايا أجهزة أمنية فلسطينية، تحت ستار حماية المساعدات الإنسانية ومتابعتها وضمان توزيعها.

والواقع أن الانشغال الإسرائيلي المكثف بعصابة أبو شباب، يعكس مدى الإخفاق السياسي لحكومة نتنياهو وأجهزتها الأمنية، حتى في أوج تفاخرها بالإنجازات الميدانية والعسكرية "الاستراتيجية" التي حققتها في القطاع وفي ساحات "الإسناد".. فإذا كان "أبو شباب" هو عنوان "اليوم التالي" ورمزه، فتلك "إمارة" تدل على حجم الارتباك وغياب الرؤية المستقبلية لدى المستوى السياسي في إسرائيل، الذي يخوض الحرب منذ فترة طويلة، ويضبط وتيرتها صعودًا وهبوطًا، وفقًا لحسابات نتنياهو وائتلافه المتطرف الضيقة. وهذا ما يتردد صداه في تعليقات الصحف والكتاب والسياسيين الإسرائيليين، الذين أصابتهم "الدهشة" بعد أن كشف أفيغدور ليبرمان عن هذه القضية لأول مرة.

ويبدو أن نتنياهو، الذي دافع بحماس عن قراره بتعيين "أبو شباب" وكيلًا أمنيًا له في القطاع، وتزويده بالمال والسلاح، فعل ذلك لأحد سببين أو كليهما: الأول؛ فقدانه الأمل في إيجاد قيادة محلية "مؤثرة" تتفق مع مشروعه لغزة، ولا ترتبط بحماس أو بالسلطة، بعد فشل متكرر لمحاولات سابقة. فلم يتبق لديه سوى تجربة حظه مع عصابات التهريب والمخدرات، ذات الصلات السابقة بتنظيم الدولة والجماعات المشابهة.. والثاني؛ رهانه على أن هذه المحاولة، حتى لو فشلت في "تكوين" البديل، فقد تنجح في إدخال حماس وأجهزتها الحكومية في صراعات مسلحة، مع عصابات ومافيات متخصصة في سرقة المساعدات ونهبها.. وفي كلتا الحالتين، يعتقد نتنياهو أنه سيخرج منتصرًا في نهاية المطاف.

وعلى عكس الكثير من حلفائه، يبدو نتنياهو شخصيًا، الأكثر تحمسًا لخوض هذه التجربة. فقد تنصل سموتريتش من "القرار" ونفى علمه المسبق به، وأعرب عن معارضته له، وإن كان تعهد بعدم تحويل الخلاف إلى أزمة داخل الحكومة والائتلاف، من منطلق تغليب حسابات الحرب وضروراتها كما قال بنفسه.

وكذلك، يبدو رئيس الحكومة هو الأقل "قلقًا" و"خوفًا" من عودة السلاح إلى الإسرائيليين - سواء بشكل مباشر أو غير مباشر - خاصة بعد أن تكون "العصابة" قد تورطت في لعبة التآمر والخيانة، تمامًا مثلما فعلت كيانات عميلة سابقة في جنوب لبنان، ظلت وفية لمشغليها رغم تخليهم عنها وخداعهم لها.

وأعتقد أنه في النقطة الأخيرة، يبدو محقًا تمامًا، فمن استسهل سرقة المساعدات في زمن الحرب، ومن تجرأ على حمل السلاح في وجه المقاومة في أوج المعارك، ومن ترعرع في كنف "جيوب" الاحتلال في القطاع، بحمايته ورعايته، وبتوجيه وإدارة منه، لا يمكن أن يكون في يوم من الأيام، في صراع مع مشغليه، خاصة أنه يدرك أن "الحبل السري" الذي يربطه بالاحتلال، هو مصدره الوحيد للغذاء والبقاء.

أربعة أسباب تدعو إلى الحيطة

لا يعني كل ذلك، أنه يجب على سكان غزة ومقاومتها، التقليل من خطورة هذه الظاهرة (وأعتقد أنهم لا يفعلون)، فثمة ظروف ومعطيات تحيط بنشأتها، تسمح بالاعتقاد بأنها قد تتحول إلى "تحدٍ" مقلق، سواء الآن أو في فترة ما بعد الحرب.. وهناك أربعة أسباب، تدفعنا إلى إطلاق هذا التحذير:

  • أولًا؛ لقد بلغت معاناة المواطنين في غزة حدًا لا يطاق، وفي تجارب عديدة سابقة، في أوقات مختلفة وأماكن متعددة، تعلق بعض الناس بأي أمل أو رجاء، مهما كان ضعيفًا، حتى لو كان الطرف الآخر هم أعداء أو جهات لا يمكن الوثوق بها أو احترامها. هنا، قد تنتصر "غريزة البقاء" على الكثير من الحسابات والاعتبارات، على الأقل لبعض الوقت.
  • ثانيًا؛ يبدو أن هناك في رام الله، من هو على استعداد تام لتقديم المساعدة لهذه العصابة، وهناك من يتحدث عن دور مباشر في تشكيلها وتمويلها، بل والطلب من بقايا الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، الانضمام إليها.. صحيح أن السلطة قد نفت رسميًا أي علاقة لها بالعصابة، ولكن مع ذلك، هناك قنوات وخطوط خلفية، تديرها جهات أمنية ومسؤولون ذوو خلفيات إسلامية (تخلوا عنها)، لا يمكن الاستهانة بها، وفي جميع الأحوال، كشف زعيم العصابة نفسه عن وجود تنسيق وتعاون مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

ولا أستبعد أبدًا، أن يكون هناك في رام الله من هو على استعداد لإعلان هذه "العصابة" جهازًا أمنيًا جديدًا، أو فرعًا لجهاز قديم، أو إدارة جديدة من إداراتها، إذا ما قدر لها أن "تبقى وتتمدد"، فتكون بذلك، حصان طروادة الجديد، بعد أن فشلت رهانات سابقة على قدرة الأجهزة الاستخباراتية على اختراق غزة، تحت غطاء المساعدات وعلى متن شاحناتها، وبتنسيق وتعاون كاملين مع الشاباك. فإذا كان هذا هو الحال، وإذا كانت هذه المخاوف في محلها، فإن خطر هذه العصابة سيزداد تفاقمًا.

  • ثالثًا؛ تحاول إسرائيل استغلال "الهويات الثانوية" في القطاع، وتصوير العصابة، كما لو كانت تمثل عشائر وعائلات معينة.. ولا أستبعد أن يتم تجنيد "امتدادات" و"مرجعيات" هذه العشائر والعائلات داخل الخط الأخضر، لتحريضها على الانقلاب على المقاومة وأجهزتها الحكومية. ولدى إسرائيل خبرة طويلة في فعل ذلك، مع كيانات درزية في لبنان وسوريا، فلماذا لا تجرب حظها في قطاع غزة؟، وإن باللجوء إلى "مكونات" أخرى هذه المرة، ينخرط بعض أبنائها في الجيش والأجهزة و"المستعربين"، وليس ثمة ما يمنعها من محاولة إعادة إنتاج التجربة من جديد.
  • رابعًا؛ يبدو أن نتنياهو، في سعيه لخلق بديل إجرامي لحماس والسلطة في غزة، يجد دعمًا من أطراف عربية ودولية.. والحديث عن دولة إقليمية متورطة في الأمر يثير القلق، والتصريحات الأمريكية الداعمة لهذه الخطوة، وإن من منطلق "حماية المساعدات والعمل على توزيعها"، تثير بدورها قدرًا من الحذر والتحسب.

تشرح هذه العوامل، نشأة هذه الظاهرة، وسرعة انتشارها، أو محاولة تعميمها، بحيث لا تبقى مقتصرة على شرق رفح، كما أن الدعوات التي أطلقتها العصابة خلال الأيام القليلة الماضية، لاستدعاء متطوعين في مختلف مجالات اختصاص "الحكم والإدارة"، تشير إلى أن المسألة "أبعد من أبو شباب"، وأن العبث الإسرائيلي خطير ومسلح بأبشع النوايا، وربما يكون مدعومًا بأطراف فلسطينية وعربية ودولية، وأن ما بدأته العصابة و"أبو شباب"، قد يتطور ويتجاوز تركيبتها الهزيلة الحالية.

يستوجب ذلك، من بين أمور أخرى، التعامل بحزم وقوة مع هذه العصابة، بهدف استئصالها قبل أن تترسخ، وهذا ما أوضحته فصائل المقاومة على أية حال، وهذا ما تقوم به بصورة جزئية الآن، نظرًا للظروف الصعبة التي تحيط بها وبنشطائها، وهو أمر يجب أن يكون مهمة الجميع، وليس مهمة فصيل واحد.

والمواجهة الفعالة لهذه الظاهرة، لا تقتصر على الجانب "الأمني" فقط، على الرغم من أن هذا يشكل جزءًا أساسيًا من الحل، بل يجب أيضًا الحرص على إحياء الوعي الشعبي لمواجهتها، وضمان عدم حصولها على أي دعم شعبي، مهما كان محدودًا في البداية، وفضح نواياها وأهدافها وشخصياتها وارتباطاتها المشبوهة.. فالمعالجة الشاملة والمتعددة الجوانب والأدوات، هي السبيل لإفشال نوايا وأهداف مشروع نتنياهو لـ"اليوم التالي"، وهي جزء لا يتجزأ من المعركة الدائرة حول حاضر غزة ومستقبلها، بل وحول المشروع الوطني الفلسطيني بأكمله.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة